آثار ترك الصلاة علىالإنسان
قال الله سبحانهوتعالى في القرآن الكريم :{مَاسَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ }(المدثر:42-43)صدق الله العليالعظيم.
الآيات التي افتتحنا بها الحديث تولي أهمية فائقة إلى الصلاة، التيهي أحد أركان الإسلام، الذي يعتبر تاركه مقترفاً لذنب عظيم من الذنوب الكبيرة، وهذاما أكدته هذه الآيات في أنّ السبب الرئيسي في دخولهم النار، كونهم تاركين للصلاة،بالإضافة إلى أنّ هناك الكثير من الروايات عن المعصومين عليهم السلام تؤكد على أنّترك الصلاة من جملة الذنوب المنصوص على كونها من الكبائر، فقد رُوي عن الإمامالصادق عليه السلام في تعداده للكبائر قوله ((...وتركالصلاة متعمداً أو شيئاً مما فرض الله عزّ وجل)).
العلاقة بين ترك الصلاة والكفر.
إنّ الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهمالسلام تشير إلى كفر تارك الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وآله: (( بين العبد والكفر ترك الصلاة ))، وأيضاً روي عنالإمام الصادق عليه السلام قوله : (( إنّ تارك الصلاةكافر))، وقد أوضح العلماء معنى ترك الصلاة من خلال تصنيفه إلى قسمين :
الأول :ترك الصلاة المستلزم للكفر، وذلك، بأن يكون تركهللصلاة في حال كونه منكرًا لوجوبها، فيكون تركها ملازمًا للكفر لأنّ الله تعالى نصّعلى وجوبها في القرآن الكريم في قوله تعالى : {إِنَّالصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًامَّوْقُوتًا}(النساء:103)،فإذاً التارك للصلاة والمنكر لوجوبها يلزم من إنكاره لوجوبها الإنكار للرسالةوبالتالي الإنكار للقرآن والواجبات الشرعية المنصوصة، وهذا يوجب الكفر .
الثاني :ترك الصلاة من دون إنكار لوجوبها، وهذا يُعد ذنباًمن الذنوب الكبيرة، ولكنه لا يستلزم الكفر. فالبعض من الناس يترك الصلاة، وإذا سُئلعن ذلك يقول: إنَّ الصلاة واجبة إلا أنني لا أريد أن أصلي، والبعض منهؤلاء يطرح شبهات، ترتبط بالصلاة، فمثلاً يقول: إنّ الله تعالى غني عن العالمينوليس بحاجة للصلاة التي أصليها. وهذه الشبهة ناشئة من توهم أنّ الله تعالى عندمايوجب علينا الواجبات أو ينهانا عن المحرمات فهو محتاج إلينا وهذه مغالطة وتصورخاطئ، لأنّ الله تعالى غني مطلق، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَالْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}(فاطر:15) ، وأيضاًالله تبارك وتعالى مستغنٍ بشكل كامل عن عبادة الناس، قال تعالى : {وَإِنتَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَاللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}(النساء:131) . فاللهتعالى غني مطلق لا يحتاج إلى عبادة العبد ، ولكنَّ العبد لابد أن يسير على وفق نظاميُشرِّعه المولى والخالق والمدبر لهذا الكون والمخلوقات بما يعود عليهم بالنفعوالفائدة، فالحاجة للعبد وليس لله، فعندما يصلي الإنسان لله تعالى فهو يحقق حاجاتهالفطرية في التزود من الجانب المعنوي. وقد أثبت العلم الحديث في الدراسات المعمقة – الدراسات النفسية وغيرها – أنَّ الإنسان محتاج و مفطور على العبادة في تركيبته،وهذا يعني أنّ الجانب العبودي جزء لا يتجزأ من تركيبةالإنسان.
آثار تركالصلاة.
ذكرنا أنّ ترك الصلاة تارة يوجب الكفر وأخرى يكونمعصيةً وذنباً من الذنوب الكبيرة، وإذا كان ترك الصلاة على نحو الإنكار لوجوبهافهذا يوجب الكفر، ولكن إذا كان ترك الصلاة على نحو التهاون واللامبالاة، فلا يوجبالكفر، ويعتبر ذنباً من الذنوب الكبيرة، وبالتالي تترتب عليه مجموعة من الآثار يمكنتقسيمها إلى ثلاثة آثاركما ذكرت الروايات :
الأول : الآثار التي تتعلقبالدين.
إنّ التارك للصلاة نادراً ما يموت على الإسلام، فالله تعالى إذاتدركه بلطفه ورحمته يموت مسلماً، لأنّ في أغلب الأحيان لا يوفق هؤلاء للموت علىالإسلام، ولذا، ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله: (( منترك الصلاة لا يرجو ثوابها ولا يخاف عقابها، فلا أُبالي أن يمت يهودياً أو نصرانياًأو مجوسياً ))، وهذا ينبئ عن سوء عاقبته في خروجه من الدين .
الثاني : الآثار التي تتعلق بالإنسان عند الموت .
إنّ التارك للصلاة حتى إذا مات مسلماً تترتب مجموعة من الآثار عند موته،ذكرتها الروايات، فقد روي عن النبي صلى الله عليهوآلهفي آثار ترك الصلاة على الإنسان عند موته قوله: (( وأما اللواتي تصيبه عند موته : فأولهنّ أنه يموت ذليلاً،والثانية يموت جائعاً والثالثة يموت عطشاناً، فلو سُقي من أنهار الدنيا لم يُروَعطشه)) ، فهذه الرواية توضح الحالة السيئة التي يمر بها التارك للصلاة منالذل والجوع والعطش الشديد، الذي لا يرويه أي ماء مهما كثُر من مياه هذه الدنيا.
الثالث : الآثار في الحياةالدنيوية.
هناك آثار لترك الصلاة تبرز في حياة الإنسان العملية، قد أُكد عليهامن لدُن النبي صلى الله عليه وآله في حديثه حول آثار ترك الصلاة فقال : (( فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا : فالأول يرفع اللهالبركة في عمره، ويرفع الله البركة من رزقه ، ويمحو الله عزّ وجلّ سيماء الصالحينمن وجهه، وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة، ليسله حظ في دعاء الصالحين))، هذه الرواية أكدت على أنّ الله تعالى ينزعالبركة من عمر الإنسان التارك للصلاة، وهذه البركة المنزوعة لهامعنيان:
الأول :أنّ الله تعالى لا يُبارك في عمر التارك للصلاة، وبالتالي يكون عمره قصيرًا.
الثاني :أنه لا يوفق للخيراتالأخرى ، وهذا المعنى أُشير له في الروايات،(( أنَّالصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها))، أي، إنَّجميع الخيرات التي تصدر من لدن الإنسان تكون غير مقبولة بل لا يترتب عليها الأثر،لأنه ترك العمود ، وهذا شبيه بعمود الخيمة، الذي بدونه تسقط الخيمة كلها، وكذلك، كلالأعمال الصالحة تُقبل وتؤثر بواسطة قبول الصلاة ، فإذا تُركت الصلاة، فإنّ كل تلكالخيرات الأخرى لا تترتب ولا تُؤثر.
الثالث :أنّ نزع البركة عنعمر الإنسان بحيث لا تترتب على الأعمال الصالحة التي صدرت منه في حياته، فتبقىمحدودة في الحياة الدنيا وبعد موته يتلاشى كل شيء ولا يبقى منها أي أثر.
الرابع :أنَّ الله تعالى لا يُهيئ، ولا يوفق لهذا التارك للصلاة الصالحين والمؤمنين، الذينيشركونه في دعائهم . فالله تعالى يقطع عنه هذا للطف والمدد .
الخامس :أن يقصد من نزعالبركة من عمره بمعنى حرمانه من الذرية الصالحة، التي تدعو له، لأنه قد يُوفقالإنسان في ذرية صالحة بحيث يمكن أن يأتي أحد أحفاده ولو بعد مائة حفيد فيدعو لهذاالإنسان ويعمل له الطاعات وأعمال البر، التي ترجع عليه بالفائدة والنفع الكبير . ولكن الإنسان التارك للصلاة لا يكتب الله تعالى في ذريتهالبركة.ولا بد من التأكيد علىأنّ الله تعالى في القرآن الكريم قال: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ }(الماعون:4-5) ، والويل، هو وادٍ في جهنم، بل في الدركات السفلىمنها، كما ورد في الروايات ، فالله تعالى يريد أن يفرق بين الإنسان المسلم الذييترك الصلاة متهاوناً، ويستحق العذاب والنار، ولكنه لا يخلد فيها، وبين ذلك الذييجحد وينكر وجوب الصلاة، فهو كافر، مخلد في النار، ولا يخرج منها . ومن هنا نعرفأنّ شفاعة النبي وأهل بيته عليهم السلام ، لا تشمل ذلك الإنسان الكافر والجاحدبوجوب الصلاة، بينما هذه الشفاعة تشمل الإنسان المتهاون بالصلاة إذا لطف الله به،وكان مستحقاً لهذه الشفاعة، وقد لا تدركه الشفاعة إلا بعد المئات من السنين التييعذب فيها بالنار نكتفي بهذا القدر.